منتدى لمة أحباب الزقم
اهلا بكم في منتدانا يااخوتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى لمة أحباب الزقم
اهلا بكم في منتدانا يااخوتنا
منتدى لمة أحباب الزقم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

**قصص الانبياء..**

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

**قصص الانبياء..** Empty **قصص الانبياء..**

مُساهمة من طرف سراب الأمل الثلاثاء أبريل 10, 2012 10:35 pm

تَاريخ الرّسُل
عليهم الصّلاة والسّلام
لقد بدأ الله جلّت حكمته خلق هذه السلالة من الناس في الأرض بخلق أبي البشر (آدم عليه السلام) من طين. قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71-72].
ثم اشتق الله من آدم حواء زوجاً له بقدرته العظيمة، ثم بثَّ من الزوجين المجموعةَ البشرية ذكورَها وإناثَها، على نظام التناسل المشاهد. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
ولمّا كان البشر بحسب تكوينهم عرضة للتأثر بشهوات النفس، ووساوس الشياطين، الأمر الذي قد يفضي بهم إلى الشرّ والضرّ والظلم، فيكونون مفسدين ظالمين في الأرض.
ولمّا كان الله سبحانه قد زوّدهم بالعقل الواعي، وبقدرة التمييز بين الخير والشرّ، ولكنهم بحاجة إلى تنبيه وتذكير.
ولمّا كان الله سبحانه وتعالى قضى لحكمته ورحمته بتدارك هذا النوع الإِنساني بتنبيهه على الخير والشر، وتعريفه بالحق والباطل، كما تقتضي أن تُّحبَّب إليه الفضيلة، وتُكرَّه إليه الرذيلة، وأن تهديه إلى سلوك سبيل الحق والخير والكمال، ليتم بذلك ابتلاؤه واختباره، ووضعه في ظروف الامتحان الملائمة للمنح التي وهبه الله إياها.
من أجل كلّ ذلك فقد تدارك الله سبحانه هذا النوع منذ نشأته الأولى في الأرض، بأن جعل آباه آدم رسولاً، فآتاه الهدى والحكمة، وأنزل عليه أسس شريعة الله للبشر، من عقيدة وعبادة وتعامل بين الناس.
ومنذ أخرج الله آدم وزوجه من الجنة نبَّهه على مهمة الرسالة التي سيجتبيه لها، ويأمره بتبليغها إلى ذريته. قال تعالى في حكاية ذلك: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38].
وقضى آدم في الأرض فترة استغفار وإنابة، فتاب الله عليه، ثم اجتباه بالرسالة وهداه. قال الله تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122].
وكان آدم عليه السلام رسولاً لذريته.
ثم تكاثر الناس وتوزَّعوا في جهات الأرض، ينتجعون الرزق والماء في مختلف بقاعها، وفق النظام الفطري في تكاثر الخلق، وتوزّعهم في شتات الأرض، حتى كان منهم الشعوب والقبائل.
ثم بتطاول العهد نَسُوا وصايا أبيهم آدم، وضيَّعوا دينهم، ولعبت بهم الأهواء، وأضلّتهم وساوس الشياطين، ففسقوا واعتدَوْا وظلموا وكفروا بالله، فتداركهم الله بإرسال الرسل المعلِّمين، المبشرين والمنذرين، حتى لم يدعْ أمة من الأمم إلا أرسل فيها رسولاً، يدعو إلى الله، وينذر بعذابه من يكفر به ويخالف أمره.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
وقال أيضاً: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
فهاتان الآيتان تدلاَّن على أنه ما من أمة من الأمم السابقة إلا سبق أن أرسل الله فيها رسولاً ينذرها، فلم يَدَع الله أمة منعزلة من أمم الأرض تتيه في ضلالها وغيّها، دون أن يتداركها بالتنبيه على لسان بعض رسله. ومن هؤلاء الرسل من قص الله علينا قصصهم، وذكر لنا أسماءهم، ومنهم من لم يذكرهم ولم يقص قصصهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر: 78].
(1)
"آدم عليه السلام"
وهو أول الرسل عليهم السلام. ودليل رسالته من القرآن الكريم ما جاء في الآيتين السابقتين:
(أ) قوله تعالى في آية البقرة: {فإما يأتينكم مني هدى}.
ففي هذا وعد بالهدى من الله تعالى، وإشعار بالرسالة.
(ب) وقوله تعالى في آية طه: {ثم اجتباه ربه}.
والظاهر أن اجتباء الله له بعد المعصية وتوبة الله عليه، إنما هو اصطفاء الله إياه للرسالة.
كما يدل على رسالته عموم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ}، وقوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً}.
وقد كان أولاد آدم أمة تتطلب رسالة ربانية، وأحرى الناس بأن يكون رسولاً لأول أمة إنسانية إنما هو آدم عليه السلام أبو البشر، المكلّم من قِبل الله تعالى.
لذلك نرى اتفاق معظم علماء المسلمين على نبوته ورسالته.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر". رواه الترمذي.
وقد تولى الله جلَّ وعلا عرض قصة خلق آدم في تسع سور من القرآن الكريم، وبيّن لنا في قصته أنه هو الإِنسان الأول الذي بثّ الله منه هذه السلالة من البشر على وجه هذه الأرض. كما حدَّد الله لنا في كتابه كيفية خلقه لآدم، بشكل صريح واضح لا يحتمل التأويل، فلا مجال لإِيراد تكهّنات وتخيّلات وفرضيّات حول كيفية بدء وجود الإِنسان على هذه الأرض، ولا مجال لفرضيات "دارون" وغيره بعد أن ورد إلينا يقين لا شبهة فيه عن الذي خَلَق وصوّر وهو بكل شيء عليم. ونحن نعلم أن كل اعتقاد يخالف ما تضمنه القرآن الكريم بشكل قاطع هو اعتقاد مخالف للحقيقة، وكل اعتقاد مخالف للحقيقة من الحقائق القطعية التي نصت عليها الشرعية اعتقاد مُكفِّر.
(2)

"شعيب عليه السلام"
وقد أرسله الله إلى أهل مدين (ويعرفون أيضاً بأصحاب الأيكة، وهي: غيضة تُنبِتُ ناعمَ الشجر كانت لهم)، ويرى بعض المفسرين أن أصحاب الأيكة قوم آخرون غير أهل مدين، أرسله الله إليهم بعد إهلاك أهل مدين، وكانوا يسكنون بقرب مدين، فدعاهم إلى الله فكذبوه، فأخذهم عذاب يوم الظلة. والله أعلم.
وقد ذكر الله شعيباً عليه السلام في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 85].
ويعرف بخطيب الأنبياء لحُسْن بيانه وقوّة حجّته.
* أهل مدين ومساكنهم:
كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهة الشام، وهي أرض واقعة حول خليج العقبة من طرف نهايته الشمالية شمالي الحجاز وجنوب فلسطين. ويظهر أنها في الأرض المسماة الآن: (معان)، أو على قرب منها.
وفي الطبري: عن سعيد بن جبير أن ما بين مصر ومدين ثماني ليال.
وأهل مدين: قبيلة تنسب إلى مدين بن إبراهيم عليه السلام من زوجته (قطورة) التي تزوجها بعد موت سارة، ويسميه أهل الكتاب (مديان) كما سبق عند الكلام على سيدنا إبراهيم. والظاهر أن هؤلاء القوم كانوا قوماً عرباً جاء إليهم مدين بن إبراهيم وصاهرهم وعاش بينهم، وصار له فيهم رهط وأسرة، ولذلك سماهم الله أهل مدين نسبة إليه. والله أعلم.
* نسب شعيب عليه السلام:
قال أبو البقاء في كلياته: "شعيب عليه السلام هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل". وقيل غير ذلك في نسبه.
قالوا: وأمه بنت لوط عليه السلام. والله أعلم.
* حياة شعيب مع قومه في فقرات:
1- لم يَطُل بأهل مدين العهد حتى هجروا دينهم الذي كانوا ورثوه عن إبراهيم عليه السلام، ودخلت فيهم الوثنية فكفروا بالله وعبدوا غيره، وانحرفوا عن الصراط السوي، فكان من سيئاتهم: التطفيف في الكيل والوزن، وبخس الناس أشياءهم في تجاراتهم، والفساد في الأرض.
2- فأرسل الله إليهم شعيباً رسولاً منهم يتصل نسبه من جهة آبائه بإبراهيم عليه السلام، فدعاهم إلى الله بمثل دعوة الرسل، وأمرهم بالعدل، ونهاهم عن الظلم، وجاءهم ببينة من ربه، وذكرهم بنعمة الله عليهم، إذ كثّرهم من قلة، وأغناهم من فقر، فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون.
وكان خطيباً حسن البيان قويّ الحجّة، ويذكر المفسرون أنه خطيب الأنبياء، وروي في ذلك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه ابن إسحاق عن ابن عباس.
3- ولمَّا ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة قالوا له - {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
4- ثم هدَّدوه وتوعدوه بإخراجه من قريتهم هو والذين آمنوا معه إلا أن يعود في ملتهم، وهيهات لرسول أن يستجيب لدعوة الكفر وهو يدعو إلى الإِيمان!!
5- ولقد أنذرهم عقاب الله فقال لهم - {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89].
6- وعلى الرغم من كل النصائح والمواعظ والإِنذارات، طلبوا منه- عناداً وجهلاً وسخرية وتحدياً - أن يُسقِط عليهم كسفاً "قطعاً" من السماء إن كان من الصادقين!!
7- فاستنصر شعيب بربه، فحقت كلمة الله بالعذاب على من كفر من قومه، فأهلكهم الله بالصيحة رافقتها الرجفة في يوم الظلة، وذلك يوم اشتدت فيه الحرارة شدة لا تطاق، فأرسل الله سحابة ففزعوا إليها فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عدد أهل الكفر في ظلها، تزلزلت بهم الأرض، وصدمتهم صيحة السماء، فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يَغْنَوا فيها!!
8- ونجى الله شعيباً والذين آمنوا معه برحمته.
9- ليس عند المؤرخين تحديد للزمن الذي عاش فيه شعيب عليه السلام، ومن المحقَّق أن دعوته لقومه كانت بعد لوط بزمن غير بعيد، لقوله لقومه -كما قص القرآن المجيد في سورة(هود)-: {وما قوم لوط منكم ببعيد}، وأنها كانت قبل موسى لقوله تعالى -عقب الحديث عن عدد من الرسل ومنهم شعيب- {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
ويغلب على الظن أن أحداث إهلاك قومه كانت بعد انتقال بني إسرائيل إلى مصر وفي المدّة الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليهما السلام. والله أعلم.
10- وقد أوجز القرآن الكريم قصة شعيب مع قومه في عدة سور، وأهم ما جاء فيها النقاط التالية:
(أ) إثبات نبوته ورسالته إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة.
وهل هما قوم أو قومان؟
للمفسرين في ذلك رأيان، الأرجح أنهما اسمان لمسمى واحد. والله أعلم.
(ب) وصف قومه بالكفر وفعل السيئات التي منها: التطفيف والبخس، والإفساد في الأرض.
لقاؤه بموسى وزواج موسى من بنته على أن يأجره ثمان حجج.
(جـ) دعوته لقومه، وصبره عليهم، وإنذاره لهم.
(د) إهلاك الله لقومه، ونجاته هو والذين آمنوا معه برحمة من الله وفضل.
(13)
"أيوب عليه السلام"
وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، ففي خطابه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مثبتاً له أنه أوحى إليه كما أوحى إلى مجموعة من الرسل ومنهم أيوب، قال الله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163].
* نسب أيوب:
من المحقَّق أنه من ذرية إبراهيم عليه السلام، لقوله تعالى في معرض الحديث عن إبراهيم: "ومن ذريته داودَ وسليمانَ وأيوبَ ويوسفَ وموسى وهارون".(48 الأنعام/6).
وقد حصل اختلاف في تفصيل نسبه، وقال أبو البقاء في كلياته: "لم يصح في نسبه شيء".
وأقرب ما قيل في نسبه - على ما نظن - هو ما يلي:
فهو أيوب (عليه السلام) بن أموص بن زارح بن رعوئيل بن عيسّو "وهو العيص" ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام).
* حياة أيوب عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
1- كان أيوب عبداً صالحاً، صاحب غنىً كبير، وأهل وبنين.
قالوا: وكان يملك "البثينة" جميعها، وهي من أعمال دمشق. فقد ابتلاه الله بالرخاء، فآتاه المال والغنى والصحة، وكثرة الأهل والولد، فكان عبداً تقياً، ذاكراً لأنعم الله عليه.
جاء في تفسير المنار: أن أيوب عليه السلام كان أميراً غنياً، عظيماً محسناً.
2- ثم ابتلاه الله بسلب النعمة، ففقد المال والأهل والولد، ونشبت به الأمراض المضنية المضجرة، فصبر على البلاء، وحمد الله وأثنى عليه، وما زال على حاله من التقوى والعبادة والرضا عن ربه.
3- فكان في حالتي الرخاء والبلاء مثالاً رائعاً لعباد الله الصالحين، في إرضاء الرحمن وإرغام أنف الشيطان.
4- قالوا: وكانت له امرأة مؤمنة اسمها (رحمة) من أحفاد يوسف عليه السلام، وقد رافقت هذه المرأة حياة نعمته وصحته، وزمن بؤسه وبلائه، فكانت في الحالين مع زوجها شاكرة فصابرة.
5- ثم إن الشيطان حاول أن يدخل على أيوب مباشرة في زمن بلائه فلم يؤثّر به، ثم حاول أن يدخل إليه عن طريق امرأته، فوسوس لها، فجاءت إلى أيوب وفي نفسها اليأس والضجر مما أصابه، وأرادت أن تحرك قلبه ببعض ما فيه نفسها، فغضب أيوب وقال لها: كم لبثتُ في الرخاء؟ قالت: ثمانين، قال: كم لبثتُ في البلاء؟ قالت: سبع سنين، قال: أما أستحيي أن أطلب من الله رفع بلائي وما قضيتُ فيه مدة رخائي!!
ثم قال: والله لئن برئت لأضربنك مائة سوط، وحرّم على نفسه أن تخدمه بعد ذلك.
6- أصبح أيوب بعد ذلك وحيداً يعاني بلاءه ويقاسي شدته صابراً محتسباً، ولما بلغ ذروة الابتلاء: {نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]، ونادى ربّه: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}.
فقال الله له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
اركض برجلك: أي: اضرب الأرض برجلك، وادفع برجلك مكانا ما في الأرض.
فركض برجله، فلما تفجر له الماء شرب واغتسل، فشفاه الله وعاد أكمل ما كان صحة وقوة.
7- جاءت إليه امرأته، فشهدت ما منَّ الله به عليه من العافية، ففرحت به وأقبلت عليه، وأراد أيوب أن يبرَّ بيمينه فيها ويضربها مائة سوط، فأوحى الله إليه أن يأخذ ضِغْثاً ويضرب امرأته به، ويكون ذلك قد تحلل من يمينه التي حلفها. وهذه من الحيل الشرعية للبرّ باليمين.
8- ولما اجتاز أيوب بنجاح باهر دور الابتلاء - في حالتي الرخاء والبلاء - اصطفاه الله واجتباه فجعله رسولاً.
9- وردَّ الله إليه ما كان فيه من النعمة، ووهب له أهله ومِثلَهم معهم برحمته.
قالوا: وقد ولد له (26) ولداً ذكراً، وكان من أولاده (بِشر) اصطفاه الله وجعله رسولاً، وسماه (ذا الكفل).
10- ويغلب على الظن أن مقام أيوب عليه السلام كان بالشام (في دمشق أو حواليها)، وأن الله أرسله إلى أمة الروم، ولذلك يذكر بعض المؤرخين أنه من أمة الروم.
11- قالوا: وقد عاش أيوب (93) سنة.
(ب) وقد عرض القرآن الكريم إلى جوانب يسيرة من حياة أيوب عليه السلام، وهي الأمور التالية:
1- إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه.
2- إشارة إلى قصة بلائه وما مسَّه من الضر، ثم كشف الضر عنه بمغتسل بارد وشراب، ثم هبة الله له أهله ومثلهم معهم.
3- إشارة إلى يمينه التي حلفها، والطريقة التي علمه الله أن يبرَّ فيها بيمينه.
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 41-44].
()
"ذو الكفل عليه السلام"
وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنْ الأَخْيَارِ} [ص: 48]
قال أهل التاريخ: وهو ابن أيوب عليه السلام، واسمه في الأصل بشر. وقد بعثه الله بعد أيوب، وسماه ذا الكفل، وكان مقامه في الشام، وأهل دمشق يتناقلون أن له قبراً في جبل قاسيون. والله أعلم.
والقرآن الكريم لم يَزِدْ على ذكر اسمه في عداد الأنبياء.
(15) و (16)
"موسى وهارون عليهما السلام"
1- أما موسى: فهو من كبار أولي العزم من الرسل، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْوَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: 23-25]
2- وأما هارون: فهو شقيق موسى، وقد بعثه الله رسولاً مع موسى ووزيراً له في رسالته ومعيناً له في دعوته، قال تعالى في شأنهما: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} [يونس: 75-76]
* نسبهما:
هما ابنا عمران (عمرام بالعبري) بن قاهت "قاهات" بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن.
وأمهما يوكابد بنت لاوي عمة عمران، ولم يكن الزواج بالعمة حينئذ محرماً، ثم نزل تحريم ذلك على موسى.
وهارون أسبق ميلاداً من موسى بثلاث سنين، ولهما شقيقة اسمها مريم كانت فوق سن الإِدراك حينما ولد موسى.
* حياة موسى وهارون عليهما السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة موسى وهارون ما يلي:
1- ولد موسى بعد (64) سنة من وفاة يوسف، أي: بعد (425) سنة من ميلاد إبراهيم وبعد (250) سنة من وفاته، وعاش نحو (120) سنة، والله أعلم.
2- قبل ميلاد موسى أصاب العبرانيين اضطهاد من فرعون في أرض مصر، وبلغ الاضطهاد ذروته إذ أصدر فرعون أمره بقتل كل مولود ذكر للعبرانيين "بني إسرائيل"، وفي هذه الأثناء ولد موسى، فأوصى الله إلى أمه: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
3- فأرضعته أمه ثلاثة أشهر، ثم خافت افتضاح أمرها، وخشيت عليه من جنود فرعون المكلَّفين بالبحث عن أولاد العبرانيين الذكور، فصنعت له صندوقاً يحمله في الماء، وألقته في النيل.
4- وساق الماء الصندوق حتى دنا قصر فرعون المشرف على النيل، ومريم أخت موسى تراقبه عن بعد وتتبع أثره، حتى هيأ الله لهذا الصندوق من يلتقطه من نساء القصر الفرعوني.
قالوا: وقد التقطته ابنة فرعون وأحبته، وأدخلته البلاط الفرعوني، وقد علموا أنه عبراني، وأنه محكوم عليه بالقتل بموجب الأمر الفرعوني العام.
ولما رأته امرأة فرعون قذف الله محبته في فؤادها، واسمها (آسية)، ثم كانت امرأة مؤمنة ضرب الله بها المثل في كتابه: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].
فطلبت آسية من فرعون -بما لها من دالَّة- أن يبقيه على قيد الحياة ليكون قرة عين لها وله - ولعلهم كانوا في شوق لولد ذكر -، وقالت له: عسى أن ينفعنا إذا كبر عندنا، أو نتخذه ولداً.
وأسموه في القصر (موسى) أي: المنتشل من الماء.
قالوا: وأصل ذلك في اللغة المصرية القديمة: (موريس)، أخذاً من (مو) بمعنى ماء و (أوريس) بمعنى منتشل.
5- وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً من الهمِّ والقلق على ولدها لما علمت نجاة ولدها، وتبنِّي القصر الملكي له.
6- بحث نسوة البلاط الفرعون عن مرضع للطفل، فكانوا كلما جاؤوا بمرضع له رفض ثديها.
لقد حرم الله عليه المراضع، وألهمه رفض ثُدِيِهنَ، وذلك ليعيده إلى أمه ويُقرَّ به عينها، ولما رأت أخته مريم أنهم أحبوه واستَحيوه، وهم يبحثون عن مرضع له -ولعلَّها كانت معتادة دخول القصر الفرعوني- قالت لهم: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 12]؟ فوافقوا، فدعت أمها، فعرضت عليه ثديها فامتصه بنَهمٍ وشوق، فاستأجروها لإِرضاعه وكفالته.
وبذلك ردّ الله موسى إلى أمه كي تقرّ عينها به، ولا تحزن على فراقه، ولتعلم أن وعد الله حق، فقد رده الله إليها كما أوحى إليها.
7- تمت مدّة رضاع موسى وكفالته على يدي ظئره في ظن البيت الفرعوني، ويدي أمه في الحقيقة، وأعيد إلى قصر الملك فنشأ وتربى فيه، حتى بلغ أشُدَّه واستوى، وآتاه الله صحة وعقلاً، وقوة وبأساً.
وإذْ أراد الله أن يجعله رسولاً من أولي العزم، ذا شأن في تاريخ الرسالات السماوية، فقد آتاه حكماً وعلماً.
8- ومما لا شك فيه أنه ظل على صلة بمرضعته -أمه في الحقيقة- التي عرف منها ومن بقية أسرته قصة ولادته ونشأته في القصر الفرعوني، وأنه إسرائيلي من هذا الشعب المضطهد، المسخَّر في مصر على أيدي فرعون وآله وجنوده.
وبالنظر إلى صلته ومكانته في القصر الفرعوني، فقد جعل يعمل على تخفيف الاضطهاد عن بني إسرائيل، ويدفع عنهم الظلم بقدر استطاعته، فصار الإِسرائيليون في مصر يستنصرون به في كل مناسبة.
9- مرّ موسى ذات يوم في طُرُق المدينة، في وقت خلت فيه الطرقات من الناس -ولعل الأمر كان ليلاً- فوجد رجلين يقتتلان، أحدهما إسرائيلي والآخر مصري.
قالوا: وكان السبب أن المصري الفرعوني أراد أن يسخِّر الإِسرائيلي في عمل، فأبى عليه الإِسرائيلي. ولما رأى الإِسرائيلي موسى استغاث به، فجاء موسى -وكان قوياً شديد البأس- فأخذ بجمع يده فوكز المصري وكزة كانت الضربة القاضية عليه، فلما رآه قتيلاً بين يديه- ولم يكن يريد قتله- قال: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ورجع يستغفر الله مما فعل.
وأصبح موسى في المدينة خائفاً يترقب، يمرّ في طرقاتها على حذر، وبينما هو في طريقه إذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه مرة ثانية، فأقبل عليه موسى وقال له: {إنك لَغَوي مبين}، أي: صاحب فتن ورجل مخاصمات، ومع ذلك أخذته حماسة الانتصار للإِسرائيلي، فأراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما، لكنّ الإِسرائيلي ظن أنه يريد أن يبطش به فقال له: {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِين} [القصص: 19].
فالتقط الناس كلمة الإِسرائيلي وعرفوا منها أن موسى هو الذي قتل المصري بالأمس، وشاع الخبر ووصل إلى القصر الفرعوني، فتذاكر آل فرعون في أمر موسى والقصاص منه، ولم يَعدم موسى رجلاً ناصحاً مخلصاً ممن له صلة بالقصر، فجاءه من أقصى المدينة - وربما كان ذلك من القصر نفسه، لأن العادة في القصور الملكية أن تكون في أماكن بعيدة عن المساكن العامة وحركة المدينة - وقال له: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}.
10- قبل موسى نصيحة الرجل، فخرج من المدينة خائفاً يترقب، وهو يقول: {ربّ نجني من القوم الظالمين}.
واتجه إلى جهة بلاد الشام تلقاء مدين، وسار بلا ماء ولا زاد، قالوا: وكان يقتات بورق الأشجار، حتى وصل إلى مدين، وفي مدين سلالة من الأسرة الإِبراهيمية منحدرة من مدين "مديان" بن إبراهيم - أحد أعمام بني إسرائيل -، ولعله قصدها عامداً لعلمه بصلة القربى مع أهلها.
11- وصل موسى بعد رحلة شاقة إلى مدين، فلما ورد ماءها وجد عليه أُمَّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما عن الماء، منتظرتين حتى يتم الرعاة الأقوياء سقيهم.
أخذت موسى غيرة الانتصار للضعيف فقال لهما: ما خطبكما؟ قالتا: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، واعتذرتا عن عملهما في السقي دون الرجال من أسرتهما فقالتا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] أي: فهو لا يستطيع القيام بهذه المهمة.
فنهض موسى وسقى لهما، وانصرفتا شاكرتين له، مبكرتين عن عادتهما، وتولّى موسى إلى الظل، وأخذ يناجي الله ويقول: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
12- عجب أبوهما الشيخ الكبر من عودة ابنتيه مبكرتين، فقصتا عليه قصة الرجل الغريب الذي سقى لهما، فأمر إحداهما أن تعود إليه، وتبلغه دعوة أبيها ليجزيه على عمله.
فجاءته تمشي على استحياء، قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25].
فلبى موسى الدعوة، وسار مع ابنة الشيخ، قالوا: وقد طلب منها أن تسير خلفه وتدله على الطريق، لئلا يقع بصره على حركات جسمها، وذلك عفة منه.
13- دخل موسى على الشيخ الكبير، فرحب به، وقدم له القِرى، وسأله عن خطبه، فقص عليه القصص، ووصف له حاله وحال بني إسرائيل في مصر، قال: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25] .
ذكر كثير من المفسرين والمؤرخين أن هذا الشيخ الكبير هو شعيب عليه السلام، واستشكل آخرون ذلك، وعلى كل حال فلا بد أن يكون إما شعيباً أو أحد أقاربه من سلالة مدين، أو أحد المؤمنين الذين نجوا مع شعيب بعد إهلاك أهل مدين، وقد نرجح أن يكون شعيباً لحديث ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبلغ درجة الصحة.
14- قالت إحداهما: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]، فأُعجب الشيخ برأي ابنته، وعرض على موسى الزواج من إحدى ابنتيه اللَّتين سقى لهما موسى.
قال: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27].
وبذلك شرط عليه أن يكون مهر ابنته أن يخدمه ثماني سنين، فإن زادها إلى عشر سنين فهي زيادة غير مفروضة.
فوافق موسى، ونجز العقد مع الشيخ، فقال: "ذلك بيني وبينك أيَّما الأجلين قضيتُ فلا عدوان عليّ والله على ما نقول وكيل".
وتمت المصاهرة بينهما، قالوا: واسم ابنة الشيخ التي صارت زوجاً لموسى "صفورة".
15- لبث موسى عند صهره الشيخ في مدين يخدمه حسب الشرط، وقضى في خدمته أوفى الأجلين وهو عشر سنين.
وقد ولدت له امرأته "صفورة" في مدين ولداً سماه "جرشوم" ومعناه: غريب المولد.
ثم تحرك قلب موسى أن يعود بأهله إلى مصر، وعزم على المسير واستعد له، ولما أراد الفراق أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون - يقال: شاة قالب لون، أي: على غير لون أمها -.
فعن عقبة بن المنذر فيما رواه البزار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أبرهما وأوفاهما"، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام لما أراد فراق شعيب عليه السلام، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون. قال: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه فولدت قوالب ألوان كلها، وولدت اثنتين أو ثلاثاً كلُّ شاة، وليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا كميشة تفوت الكف ولا ثغول". أي: جاءت على غير ألوان أمّهاتها سالمة من العيوب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها وهي السامرية".
16- سار موسى بأهله من أرض مدين في فصل الشتاء، واستاق الغنم، ولما بلغ إلى قرب الطور ضلَّ الطريق في ليلة باردة. قالوا: وكانت امرأته حاملاً، وأراد موسى أن يوري ناراً فصلد زنده فلم يقدح له، وبينما هو كذلك إذ رأى جانب الطور ناراً، فقال لأهله: {امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10]، أي: من يدله على الطريق إلى مصر.
فلما أتى موسى النار من جانب الشجرة المباركة، سمع نداء: {يا موسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 12-13].
17- فأوحى الله له ما أوحى، وكلّفه أن يحمل الرسالة إلى الطاغي فرعون، وأعطاه الله الآيات، وطلب موسى من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له ردءاً، وأثنى موسى على أخيه بين يدي ربه بأنه أفصح منه لساناً، وقال موسى: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي} [القصص: 33-34].
قال الله له: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35].
18- وحمل موسى الرسالة، ومعه المعجزات، ودخل مصر وقابل فرعون مع أخيه هارون، وكان من أمرهما ما سبق أن شرحناه في معجزات موسى عليه السلام.
19- وخرج موسى ببني إسرائيل من مصر، وأنجاه الله من فرعون وقومه.
ثم ذهب لمناجاة ربه وتلقى من ربه الألواح وفيها الوصايا الإِلهية، وعاد إلى قومه فوجدهم قد عبدوا العجل الذي اتخذه لهم السامريّ، وكان من شأنه معهم ما سبق بيانه عنه الكلام على معجزاته عليه السلام.
20- ثم طلب من بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة -وهي أريحا- مجاهدين في سبيل الله بعدما أراهم المعجزات الباهرات، فقالوا له: "إن فيها قوماً جبارين" .. و"إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها"، وقالوا له أيضاً: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون"!!
فغضب موسى ودعا عليهم فقال: "ربِّ إني لا أملك إلاَّ نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين".
فقال تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26].
وهكذا لبثوا في التيه أربعين سنة، يتردَّدُون في برية سيناء وبرية فاران "صحراء الحجاز"، ويترددون أيضاً حوالي جبال السَّرَاة وأرض ساعير وبلاد الكرك والشوبك. والله أعلم.
21- من الأحداث التي جرت لموسى عليه السلام لقاؤه بالعبد الصالح -الذي ورد أنه الخضر-، وقصة لقائه به مبسوطةٌ في القرآن الكريم في سورة الكهف.
22- ومن الأحداث التي جرت له إيذاء قارون له وطعنه افتراءً في شرفه، فدعا موسى عليه فخسف الله به وبداره الأرض، وكان قارون رجلاً غنياً، قد بلغ من غناه أنه كان عنده من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فلم تغنِ عنه من الله شيئاً.
23- ثم أوحى الله إلى موسى أني متوفٍ هارون، فأتِ به إلى جبل كذا وكذا فانطلقا نحوه، فإذا هما بسرير فناما عليه، وأخذ هارونَ الموتُ ورُفع إلى السماء. ورجع موسى إلى بني إسرائيل، فقالوا له: أنت قتلت هارون لحبِّنا إياه، قال موسى: ويحكم أفترونني أقتل أخي؟! فلما أكثروا عليه سأل الله، فأنزل السرير وعليه هارون، وقال لهم: إني مت ولم يقتلني موسى، وكان ذلك في التيه، وكان عمر هارون حين توفي (122) سنة.
24- ثم توفي موسى عليه السلام بعد أخيه هارون بأحد عشر شهراً في التيه. قالوا: وقد بلغ عمره (120) سنة، ولما جاءه ملك الموت وعلم أن الموت لا بد منه قال: (ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رميةً بحجر)، فأُدني من الأرض المقدسة ودفن هناك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال: فردّ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبد فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متنِ ثورٍ فما وارت يدُك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مَهْ؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر". رواه البخاري ومسلم.
(ب) وقد بسط القرآن الكريم في نَيِّفٍ وثلاثين سورة حياة موسى من ولادته ونشأته، وفراره من مصر، ودخوله أرض مدين، وزواجه ابنة شيخ مدين، وعودته إلى مصر، وتكليم الله له في جانب الطور، وتحميله الرسالة، ودعوته إلى فرعون وملئه، والمعجزات التي جرت في حياته، وخروجه من مصر ببني إسرائيل، ونجاتهم بالمعجزة، وغرق فرعون وجنوده في البحر، ونزول التوراة عليه والصحف، وعبادة قومه العجل، وسائر الأحداث الهامة التي جرت في حياته، مما أوجزناه هنا وفي الكلام عن المعجزات. وما بسطه القرآن الكريم من ذلك في غاية الروعة والإِعجاز، ويحمل من العبر والأخبار ما يدلنا على مدى أهمية رسالته عليه السلام.
(17)
سراب الأمل
سراب الأمل

عدد المساهمات : 221
السٌّمعَة : 0
نقاط : 403
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
العمر : 31
الموقع : الوادي

http://el3shkel3am.football4arab.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

**قصص الانبياء..** Empty رد: **قصص الانبياء..**

مُساهمة من طرف ♥°♫سميتك غلاي ♫°♥ الجمعة أغسطس 31, 2012 10:35 am

**قصص الانبياء..** 602422
♥°♫سميتك غلاي ♫°♥
♥°♫سميتك غلاي ♫°♥

عدد المساهمات : 33
السٌّمعَة : 0
نقاط : 33
تاريخ التسجيل : 20/12/2011
العمر : 27
الموقع : الصداقة لا تغيب مثلما تغيب الشمس الصداقة لا تذوب مثلما يذوب الثلج الصداقة لا تموت إلا .. اذا مات الحب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

**قصص الانبياء..** Empty رد: **قصص الانبياء..**

مُساهمة من طرف عمرى معاك الأحد مايو 26, 2013 5:46 pm

**قصص الانبياء..** 808603[size=25]امي الحبيبة
*****************


اسمك ِ لا يقرأ و لا يكتب .. و إنما بسمع .. كموسيقى شجن .. كلحن خارج إطار الزمن ..
على آلة واحدة و لمستمع واحد .. كان أنا ..



الى احن خلق الله
الى من يغمر حبها
القلب و الفؤاد
الى من تعطف علي
بلاحساب
امي نعم هي امي
بمجرد ماينطق
اسمها فمي
حتى ينزاح عن كاهلي
نصف همي
وما ان ارتمي
في حضن امي
واقبل يدي امي
الا وتفتت في القلب
صخرة الغم
اعيش في الدنيا
برضى الله ورضى امي
فيا ربي اطل عمر امي
واجعلني بارا بامي


مازلت تحملين لي سربا ً من مشاريع أحلامي ...


يا كل ذاكرتي .. كل حاضري ... و أملي في أي مستقبل ..

كنت دوما الضوء الذي يشق لي الدرب فأنبهربه و أسير فيه و كل ثقة .. و أتوه دونه في ظلمات الزمان و المكان .. و ظلمات نفسي ..!!

أمي _ أنت _ الإشراقة و النور التي أبدأ بها حياتي ..
عيناك و صدرك مرسى تطرفي و أحزاني ..
كلامك .. شهد أتذوق منه الصبر و الأمل ..
و قلبك هو المكان الذي أشعر به بآمان طفولي ..

يا من تربعت في قلبي شلالا للعطاء .. يا من كنت لي الصديقة و الأخت ..
يا بلسم القلب و الجروح .. يا منبع قوتي و استمراري .. يا أغلى ما لي في الوجود ..

أدعو الرحمن أن يبقيك مدى الزمان .................



**قصص الانبياء..** 1140393813


نور الشمس
[/size]
عمرى معاك
عمرى معاك

عدد المساهمات : 45
السٌّمعَة : 0
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 30/04/2013
العمر : 23

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

**قصص الانبياء..** Empty رد: **قصص الانبياء..**

مُساهمة من طرف عمرى معاك الأحد مايو 26, 2013 5:49 pm

**قصص الانبياء..** 560438



قصة سليمان ابن
داود عليه السلام




قال الحافظ ابن عساكر:

هو سليمان بن نبي الله بن نبي الله.

جاء في
بعض الآثار أنه دخل دمشق





قال
الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ
دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْفَضْلُ الْمُبِينُ}






أي:
ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال، لأنه قد كان له
بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم.

ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:






((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).











علمه بمنطق الطير و الحيوان







وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}
الآية










يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر
للناس عن مقاصدها وإرادتها.




حدثني أبو مالك قال:




مر
سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة،






فقال لأصحابه:


أتدرون
ما يقول؟





قالوا:

وما يقول يا نبي الله؟





قال:

يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.






قال سليمان عليه السلام:


لأن
غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.






وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا
قوله بعد هذا من الآيات









{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}



أي:
من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش،
والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات،
والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات، من الناطقات
والصامتات.









كما
قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ
جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ
يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ
نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا
يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ *
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي
أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي
بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.






يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما
الصلاة والسلام، أنه ركب يوماً في جيشه جميعه من الجن والإنس
والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها
من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء
يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا
يتأخر عنه.










قال
الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}





فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.





والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها
من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار،
والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره.






ولهذا قال:








{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً
تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ}



فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به
من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا
توفاه مع عباده الصاحين. وقد استجاب الله تعالى له.






والمراد بوالديه: داود عليه السلام وأمه، وكانت من العابدات
الصالحات،

عن جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:





((قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن
كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيراً يوم القيامة)).






عن الزهري :




أن
سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة
قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم،
إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها.










قال
ابن عساكر:
وقد روي عن أبي هريرة أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:






((خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله، فإذا هم بنملة
رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من
أجل هذه النملة)).










وقال السدي:

أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا
،
فإذا بنملة قائمة على رجليها، باسطة يديها، وهي تقول:






اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غناء بنا عن فضلك.





قال: فصب الله عليهم المطر




قصة بلـقيس








قال
تعالى
: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ
مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ
لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ
فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ
بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ
وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ }










يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كان على
كل صنف منها مقدمون، يقدمون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة،
كما هي عادة الجنود مع الملوك.





وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره


أنهم
كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل
بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن
ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه
واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم، فلما تطلبه سليمان عليه
السلام ذات يوم فقده، ولم يجده في موضعه من محل خدمته.











{فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ
الْغَائِبِينَ}




أي:
ماله مفقود من ههنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي.








{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً}

توعده بنوع من العذاب، اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على كل
تقدير.





{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}

أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة.





قال
الله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}
أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها
{فَقَالَ} لسليمان
{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}
أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه
{وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
أي: بخبر صادق
{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً
تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ}






يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن

من المملكة العظيمة، والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك
الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم، لم يخلف غيرها، فملَّكوها
عليهم.




وذكر الثعلبي وغيره


أن
قومها ملكوا عليهم بعد أبيها رجلاً، فعم به الفساد، فأرسلت إليه
تخطبه، فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمراً، ثم حزت رأسه، ونصبته
على بابها، فأقبل الناس عليها، وملكوها عليهم، وهي بلقيس بنت
السيرح، وهو الهدهاد، وقيل: شراحيل بن ذي جدن.






وكان أبوها من أكابر الملوك، وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن،
فيقال: إنه تزوج بامرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن، فولدت له
هذه المرأة، واسمها تلقمة، ويقال لها
بلقيس
.





وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
أي: مما من شأنه أن تؤتاه الملوك





{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}


يعني:
سرير مملكتها كان مزخرفاً بأنواع الجواهر، والآلي، والذهب، والحلي
الباهر.





ثم
ذكر كفرهم بالله، وعبادتهم الشمس من دون الله، وإضلال الشيطان لهم،
وصده إياهم عن عبادة الله وحده لا شريك له، الذي يخرج الخبء في
السموات والأرض، ويعلم ما يخفون وما يعلنون أي: يعلم السرائر،
والظواهر من المحسوسات والمعنويات.






{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}




أي:
له العرش العظيم الذي لا أعظم منه في المخلوقات، فعند ذلك بعث معه
سليمان عليه السلام، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله، وطاعة
رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه،
ولهذا قال لهم: {أَلَّا تَعْلُوا
عَلَيَّ}
أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري
{وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي:
وأقدموا علي سامعين مطيعين، بلا معاودة ولا مراودة.





فلما جاءها الكتاب مع الطير، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، ولكن تلك
البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له، فذكر
غير واحد من المفسرين وغيرهم، أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها
فألقاه إليها، وهي في خلوة لها، ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من
جوابها عن كتابها.




فجمعت أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها





{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ
كِتَابٌ كَرِيمٌ}




ثم
قرأت عليهم عنوانه أولاً:




{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}



ثم قرأته

وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}










ثم
شاورتهم في أمرها، وما قد حل بها، وتأدبت معهم، وخاطبتهم وهم
يسمعون {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى
تَشْهَدُونِ}
تعني: ما كنت لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون.






{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}




يعنون: لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال، فإن
أردت منا ذلك فإنا عليه من القادرين فبذلوا لها السمع والطاعة،
وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة، وفوضوا إليها في ذلك الأمر لترى
فيه ما هو الأرشد لها ولهم، فكان رأيها أفضل من رأيهم، وعلمت أن
صاحب هذا الكتاب لا يغالب، ولا يمانع، ولا يخالف، ولا يخادع.







{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}





تقول برأيها السديد: إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة لم
يخلص الأمر من بينكم، إلا إلي، ولم تكن الحدة والشدة والسطوة
البليغة إلا علي.





{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ
يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}




أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها، بهدية ترسلها، وتحف تبعثها،
ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم، والحالة هذه صرفاً
ولا عدلاً، لأنهم كافرون وهو وجنوده عليهم قادرون.






ولهذا: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ
قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ
مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}

هذا وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة، كما ذكره
المفسرون.




ثم
قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا
وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}





يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من قد من بها فإن عندي مما قد
أنعم الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال، ما هو أضعاف
هذا وخير من هذا، الذي أنتم تفرحون به، وتفخرون على أبناء جنسكم
بسببه.





{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا}

أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم، ولا نزالهم، ولا مما
نعتهم، ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم، وحوزتهم، ومعاملتهم،
ودولتهم أذلة {وَهُمْ صَاغِرُونَ}
عليهم الصغار، والعار، والدمار.





فلما بلغهم ذلك عن نبي الله، لم يكن لهم بد من السمع والطاعة،
فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين،
سامعين، مطيعين، خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه، ووفودهم إليه، قال
لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان، ما قصَّه الله عنه في
القرآن.







{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي
بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }





لما
طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها
التي تجلس عليه وقت حكمها قبل قدومها عليه
{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا
آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}
يعني: قبل
أن ينقضي مجلس حكمك.




وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال، يتصدى لمهمات بني
إسرائيل، وما لهم من الأشغال




{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}

أي: وإني لذو قدرة على إحضاره إليك، وأمانة على ما فيه من الجواهر
النفيسة لديك





{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}.




المشهور: أنه آصف بن برخيا، وهو ابن خالة سليمان، وقيل: هو رجل من
مؤمني الجان، كان فيما يقال يحفظ الاسم الأعظم، وقيل: رجل من بني
إسرائيل من علمائهم، وقد قيل فيه قول رابع وهو: جبريل.






{أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}





قيل: معناه قبل أن تبعث رسولاً إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من
الأرض، ثم يعود إليك،





وقيل: قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس،





وقيل: قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك،





وقيل: قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم
أغمضته، وهذا أقرب ما قيل.




{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}




أي:
فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة القريبة من بلاد
اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين




{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ
أَكْفُرُ}




أي:
هذا من فضل الله علي، وفضله على عبيده، ليختبرهم على الشكر أو
خلافه {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا
يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}
أي: إنما يعود نفع ذلك عليه
{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ
كَرِيمٌ}
أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر
الكافرين.




ثم
أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلى هذا العرش، وينكر لها، ليختبر
فهمها وعقلها، ولهذا قال:




{نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا
يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ
كَأَنَّهُ هُوَ}




وهذا من فطنتها وغزارة فهمها، لأنها استبعدت أن يكون عرشها، لأنها
خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا
الصنع العجيب الغريب.










قال
الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه:

{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ *
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا
كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}





أي:
ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله،
اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم، لا لدليل قادهم إلى ذلك، ولا حداهم
على ذلك.




وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممره ماء، وجعل
عليه سقفاً من زجاج وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت
بدخول الصرح، وسليمان جالس على سريره فيه.






{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ
سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}









وقد ذكر الثعلبي وغيره

أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان
يزورها في كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على
البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين،
وبيتون، فالله أعلم.




وقد
روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أنه سليمان لم
يتزوجها، بل زوجها بملك همدان، وأقرها على ملك اليمن، وسخر زوبعة
ملك جن اليمن، فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن،
والأول أشهر وأظهر، والله أعلم.










قال
تعالى في سورة ص:




{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ
أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ
الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ
ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ
فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }





يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه
تعالى فقال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ
أَوَّابٌ}
أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره
في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة،
الجياد: وهي المضمرة السراع.





{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}

يعني: الشمس




{رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ
وَالْأَعْنَاقِ}

قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما
أجراها وسابق بينها وبين يديه.




قالوا:

اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روي هذا عن
علي بن أبي طالب وغيره، والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمداً من
غير عذر





وقد
قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين
ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرساً من ذوات الأجنحة.






وقال بعض العلماء:

لما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح
التي كانت غدوها شهراً ورواحها شهرا كما سيأتي الكلام عليها.






وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ
أَنَابَ}




ذكر
ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما من المفسرين ههنا آثاراً كثيرة ،
وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها نكارة
شديدة، واقتصرنا ههنا على مجرد التلاوة، ومضمون ما ذكروه أن سليمان
عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوماً، ثم عاد إليه، ولما عاد أمر
ببناء بيت المقدس، فبناه بناء محكماً.












حكم سليمان



قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:





((إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالاً ثلاثاً،
فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكماً يصادف
حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه،
وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج
من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا
إياها)).











فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى
،
فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله:

{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ
يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ
وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً...}










روى
أن هؤلاء القوم كان لهم كرم، فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي: رعته
بالليل، فأكلت شجره بالكلية، فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم
لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان قال: بما حكم لكم نبي
الله؟




فقالوا: بكذا وكذا.




فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم،
فيستغلونها نتاجا ودراً حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى
ما كان عليه، ثم يتسلموا غنمهم. فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم
به.










عن أبي هريرة قال
:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:






((بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما،
فتنازعتا في الآخر.






فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك.





وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك.





فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني
بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فقالت الصغرى: لا تفعل
يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها)).






قال
الله تعالى: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً
وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ
وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ
لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ
شَاكِرُونَ}










تسخير الريح و الشياطين له








ثم
قال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ
عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا
فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ
مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا
لَهُمْ حَافِظِينَ}




وقال في سورة ص: {فَسَخَّرْنَا لَهُ
الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ
أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى
وَحُسْنَ مَآبٍ}




لما
ترك الخيل ابتغاء وجه الله، عوضه الله منها الريح التي هي أسرع
سيراً، وأقوى وأعظم، ولا كلفة عليه لها، تجري بأمره رخاء
{حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد
من أي البلاد، كان له بساط مركب من أخشاب بحيث إنه يسع جميع ما
يحتاج إليه من الدور المبنية، والقصور، والخيام، والأمتعة،
والخيول، والجمال، والأثقال، والرجال من الأنس والجان، وغير ذلك من
الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفراً أو مستنزهاً، أو قتال ملك، أو
أعداء من أي بلاد الله شاء.





فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط، أمر الريح فدخلت تحته
فرفعته، فإذا استقل بين السماء والأرض، أمر الرخاء فسارت به، فإن
أراد أسرع من ذلك، أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي
مكان شاء، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس، فتغدو
به الريح فتضعه باصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم
يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس.










كما
قال تعالى:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ
غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ
الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ
رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابِ السَّعِيرِ }.




قال
الحسن البصري: كان يغدو من دمشق، فينزل باصطخر فيتغدى بها، ويذهب
رائحاً منها، فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين
اصطخر وكابل مسيرة شهر.





قلت: قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان: أن اصطخر بنتها الجان
لسليمان، وكان فيها قرار مملكة الترك قديماً، وكذلك غيرها من بلدان
شتى كتدمر، وبيت المقدس، وباب جبرون، وباب البريد، اللذان بدمشق
على أحد الأقوال.





وأما القطر فقيل :

هو النحاس.










{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ
وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ
السَّعِيرِ}





أي:
وسخر الله له من الجن عمالاً يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا
يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ
مَحَارِيبَ}
وهي: الأماكن الحسنة، وصدور المجالس
{وَتَمَاثِيلَ}
وهي: الصور في الجدران، وكان هذا سائغاً في
شريعتهم وملتهم {وَجِفَانٍ
كَالْجَوَابِ}.




قال
ابن عباس: الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض وهي الحوض الذي
يجبي فيه الماء




وأما القدور الراسيات فقيل : أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن .





ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام، والإحسان إلى الخلق من إنسان
وجان، قال تعالى:

{اعْمَلُوا آلَ
دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}





وقال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ
بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}

يعني أن منهم من قد سخره في البناء، ومنهم من يأمره بالغوص في
الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر، والآلي، وغير ذلك مما لا يوجد
إلا هنالك.




وقوله: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي
الْأَصْفَادِ}
أي: قد عصوا فقيدوا، مقرنين: اثنين اثنين في
الأصفاد، وهي القيود، هذا كله من جملة ما هيأه الله، وسخر له من
الأشياء التي هي من تمام الملك، الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم
يكن أيضاً لمن كان قبله.









وقد
ذكر غير واحد من السلف أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة،
سبعمائة بمهور، وثلاثمائة سراري، وقيل: بالعكس ثلاثمائة حرائر،
وسبعمائة من الإماء. وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمراً عظيماً
جداً.




عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:







((قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن
تلد غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف
تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف
إنسان.





فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال إن شاء الله لولدت كل
امرأة منهن غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل)).











وقد
كان له عليه السلام من أمور الملك، واتساع الدولة، وكثرة الجنود
وتنوعها، ما لم يكن لأحد قبله، ولا يعطيه الله أحداً بعده كما قال:
{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}






{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق.






ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه، من النعم الكاملة العظيمة
إليه قال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ
أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
أي: أعط من شئت، واحرم من
شئت، فلا حساب عليك، أي تصرف في المال كيف شئت، فإن الله قد سوغ لك
كلما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك.






وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول، فإن من شأنه أن لا يعطي
أحداً، ولا يمنع أحداً إلا بإذن الله له في ذلك، وقد خير نبينا
محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين، فاختار أن يكون
عبداً رسولاً.




وقد
جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة، فلا
تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة، فالله الحمد والمنة.











‏وفــاته







قال
الله تبارك وتعالى:

{فَلَمَّا قَضَيْنَا
عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ
الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ
الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا
فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}











عن
عمرى معاك
عمرى معاك

عدد المساهمات : 45
السٌّمعَة : 0
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 30/04/2013
العمر : 23

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

**قصص الانبياء..** Empty رد: **قصص الانبياء..**

مُساهمة من طرف عمرى معاك الأحد مايو 26, 2013 5:52 pm









**قصص الانبياء..** 560438 **قصص الانبياء..** 560438قصة اسماعيل عليه السلام














نسبه عليه السلام






وقد
كان للخليل بنون كما ذكرنا، ولكن أشهرهم الأخوان النبيان العظيمان
الرسولان أسنهما وأجلهما الذي هو الذبيح
على الصحيح: إسماعيل بكر إبراهيم الخليل، من هاجر القبطية المصرية
عليها السلام من العظيم الجليل






ومن
قال: إن الذبيح هو إسحاق فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل، الذين
بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل، وخالفوا ما بأيديهم في هذا
من التنزيل.










وقد
أثنى الله تعالى عليه ووصفه بالحلم والصبر، وصدق الوعد، والمحافظة
على الصلاة والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب، مع ما كان يدعو إليه
من عبادة رب الأرباب.





قال
تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ
حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا
تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ
شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}











فطاوع أباه على ما إليه دعاه، ووعده بأن سيصبر، فوفى بذلك بأن
سيصبر وصبر على ذلك.










وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً
نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}










وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا
إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى
الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ
الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا
الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}










وقال تعالى:
{وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ}










وقال تعالى:
{إِنَّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ
بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ...} الآية










وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}

الأية. ونظيرتها من السورة الأخرى.










وقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ آنْتُمْ
أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}
الآية.










فذكر الله عنه كل صفة جميلة، وجعله نبيه ورسوله، وبرأه من كل ما
نسب إليه الجاهلون، وأمر بأن يؤمن بما أنزل عليه عباده المؤمنون.






وذكر علماء النسب وأيام الناس،
أنه
أول من ركب الخيل، وكانت قبل ذلك وحوشاً فأنسها وركبها.











عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:





((اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها مراث أبيكم إسماعيل)).





وكانت هذه العراب وحشاً، فدعا لها بدعوته التي كان أعطي فأجابته











وإنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة
،
وكان قد تعلمها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة، من جرهم
والعماليق وأهل اليمن من الأمم المتقدمين من العرب قبل الخليل.











عن
محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه،

عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:






((أول من فتق لسانه بالعربية البينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة
سنة)).





فقال له يونس: صدقت يا أبا سيار هكذا أبو جرى حدثني.










وقد
تزوج لما شب من العماليق امرأة، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل،
يطالع تركته فلم يجد إسماعيل،




فسأل امرأته عنه؟





فقالت:

خرج يبتغي لنا.




ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟





فقالت:

نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه.





قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة
بابه.











فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال:

هل جاءكم من أحد؟





فقالت:

نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا
فأخبرته أنا في جهد وشدة.




قال:

فهل أوصاك بشيء؟





قالت:

نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.





قال:

ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم
أخرى،










ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده،

فدخل على امرأته فسألها عنه؟






فقالت:

خرج يبتغي لنا




قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم،





فقالت:

نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل،




فقال: ما طعامكم؟





قالت:

اللحم




قال: فما شرابكم؟





قالت:

الماء.




قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.





قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا
يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.






قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه.





فلما جاء إسماعيل قال

هل أتاكم من أحد؟





قالت:

نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني
كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير.




قال:

فأوصاك بشيء؟





قالت:

نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك.





قال:

ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.










وهي
السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي.





وقيل: هذه ثالثة فولدت له اثني عشر ولداً ذكراً،
وقد سماهم محمد بن إسحاق رحمه الله
وهم:
نابت، وقيذر، وازبل، وميشى، ومسمع، وماش، ودوصا، وارر،
ويطور، ونبش، وطيما، وقذيما.









وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما
والاها، من قبائل جرهم، والعماليق، وأهل اليمن، صلوات الله وسلامه
عليه.









وفاته عليه السلام








ولما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق، وزوج ابنته نسمة من ابن
أخيه العيص بن إسحاق فولدت له الروم، ويقال لهم: بنو الأصفر لصفرة
كانت في العيص. وولدت له اليونان في أحد الأقوال، ومن ولد العيص
الأشبان، قيل منهما أيضاً.









ودفن إسماعيل نبي الله بالحجر مع أمه هاجر، وكان عمره يوم مات مائة
وسبعاً وثلاثين سنة، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: شكى
إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز وجل حرَّ مكة، فأوحى الله إليه أني
سأفتح لك باباً إلى الجنة إلى الموضع الذي تدفن فيه، تجري عليك
روحها إلى يوم القيامة.
عمرى معاك
عمرى معاك

عدد المساهمات : 45
السٌّمعَة : 0
نقاط : 85
تاريخ التسجيل : 30/04/2013
العمر : 23

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى